منهاج الأصول - ج ٣

محمّد ابراهيم الكرباسي

منهاج الأصول - ج ٣

المؤلف:

محمّد ابراهيم الكرباسي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار البلاغة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٣٨

ان يكون مبنى الاشكال هو استحالة لحاظ الحكم في الموضوع فيتوجه الجواب عنه باخذ القضية بنحو الطبيعة حتى يكون انطباقها على الافراد قهريا بحيث لا تحتاج الى لحاظ لا اجمالا ولا تفصيلا.

وبالجملة المحمول الذى اخذ في القضية الطبيعية لم يكن ملحوظا في عالم الذهن عند تصور الموضوع ولكن لما كان المحمول من مصاديق الموضوع ينطبق عليه بلا حاجة الى اندراجه تحت الموضوع لمجىء المحذور واما لو كان مبنى الاشكال على ان المحمول غير مندرج تحت الموضوع وخارج عن دائرته فلا بد وان يكون الموضوع طبيعة مقيدة بما عدى المحمول ومن الواضح خروج المحمول عن الموضوع خروجا واقعا اذ العقل يرى ان المحمول منحاز عن الموضوع وعليه يمنع شموله للحكم ولا ترتفع هذه الشبهة باخذ القضية طبيعية كما لا يخفى والتحقيق في الجواب على وجه ترتفع عنه غائلة الاوهام يحتاج الى معرفة حال الانشاء والاخبار فاعلم ان الانشاءات والاخبارات تشترك في ايقاع النسبة وتفترق حيث ان الانشاء لقصد الموجدية والاخبار لقصد الحكاية.

ثم ان الانشاء في الاحكام غير الانشاء في المعاملة فان الانشاء في الاحكام له جهة مرآتية بالنسبة الى واقع الارادة بخلاف الانشاء في المعاملة ليس له واقع يحكيها بل لصرف الموجدية كالملكية والزوجية.

وبالجملة الانشاءات في الاحكام لها شبه بالاخبار حيث ان لها جهة حكاية عن واقع الارادة المتعلقة بالاشياء بما انها حاكية عن الخارجيات بحيث ترى خارجية لا انها متعلقة بالامور الخارجية اذ الامور الخارجية ظرف سقوط الارادة لا ظرف تعلقها كما لا يخفى ثم ان حكايتها عن الارادة لها انحاء فتارة تحكى عن

٢٢١

شخص ارادة قائمة بصرف الوجود واخرى تحكى عن شخص ارادة قائمة بالطبيعة السارية في ضمن الافراد وهو المعبر عنه بالعموم السارى وثالثة تكون حاكية عن ارادات متعددة متعلقة بمرادات متعددة يجمعها مفهوم ارادة واحدة ومراد واحد فيكون سنخ ارادة متعلقة بسنخ مراد وبه يفرق عن الثاني حيث ان الثاني شخص ارادة قائمة بالطبيعة السارية والاخير سنخ ارادة قائمة بسنخ مراد وبهذا يظهر ان الاخير كما ينطبق على افراد عرضية ينطبق على افراد طولية اذ ليس المعتبر الا سنخ الارادة وهى متحققة الانطباق بينهما بخلاف الثاني فانه لا ينطبق إلّا على افراد عرضية لانه بعد فرض كون الارادة شخصية متعلقة بطبيعة سارية فلا يعقل شمول الطبيعة لها لان العقل يحكم بخروج الحكم والاثر والارادة عن دائرة المحكوم والمؤثر والمراد. اذا عرفت ذلك فاعلم ان المقام لما كانت الاخبار بلا واسطة مرجعها الى اخبارات مرتبة بحسب سلسلة السند كان الاثر انما هو بحسب النحو الاخير الذى هو في غاية المعقولية بان يكون ترتب الاثر هو الموضوع في قوله (يجب ترتب الاثر) متفرع من افراد ومصاديق طولية كما ان حكمه وهو الايجاب متفرع من ارادات طولية فيكون جامع الوجوب تعلق بجامع رتب الاثر.

توضيح ما ذكرنا ان الاخبار تارة تكون في عرض واحد كخبر زرارة عن الامام عليه‌السلام في باب الصلاة وخبر محمد بن مسلم عنه في باب الصوم وخبر ابو بصير في باب الزكاة بحيث يكون خبر كل واحد لا ربط له بخبر الآخر فلا اشكال في شمول صدق العادل للجميع ولا يلزم منه اتحاد الحكم مع الموضوع واخرى تكون الاخبار طولية بان يخبر حسين بن سعيد عن محمد بن مسلم عن زرارة عن الامام فنقول صدق العادل شامل لها جميعا ولا يلزم اتحاد الحكم مع

٢٢٢

الموضوع بتقريب ان خبر الواسطة له لحاظان لحاظ لما فوقه ولحاظ لما دونه فيكون بحسب ما فوقه حكما وبحسب ما دونه موضوعا نظير الاجناس المتوسطة فانها اجناس لما تحتها وانواع لما فوقها وفوق الكل الذي هو قول الامام متمحض للموضوعية والمتأخر عن الكل متمحض للحكمية ففى مثالنا المتقدم قول الامام (ع) موضوعا فقط لما دونه الذي هو وجوب التعبد بخبر زرارة ووجوب التعبد بخبر زرارة حكم بلحاظ قول الامام (ع) وموضوع بلحاظ وجوب التعبد بخبر محمد بن مسلم وكذا خبر ابن مسلم لخبر حسين بن سعيد وخبر ابن سعيد متمحض للحكمية ونظير قول الامام كالجنس العالى ونظير حسين بن سعيد كالنوع السافل فاعتبار الموضوعية جامع انتزاعي وهو الاثر منتزع من حيث الاضافة الى ما دونه واعتبار الحكمية منتزع من حيث الاضافة الى ما فوقه ويكون هناك جامعان انتزاعيان من حيثيتين فلما لم يصح تعلق احدهما بالآخر يكون احدهما موضوعا والآخر حكما.

ودعوى البعض بالالتزام بان المجعول في باب الطرق هي الطريقية والوسطية في الاثبات بان يكون في جميع السلسلة المجعول هي الطريقية فيكون كل لاحق طريق الى سابقه الى ان ينتهي الى قول الامام ففيه ما لا يخفى فان كان الغرض من الوسطية والطريقية ترتيب اثر المؤدي فنقول ليس للمؤدى اثر غير تتميم الكشف فبقى الاشكال بحاله وان كان الغرض منه اثر آخر السلسلة فلا حاجة الى شمول الدليل للوسائط بل يكفى تتميم الكشف لاول السلسلة في ترتب آثار آخر السلسلة مع انه اول الكلام ولا يمكن الالتزام.

وبالجملة فلا يندفع الاشكال بما ذكر بل بما ذكرناه سابقا من قضية انشاء واحد

٢٢٣

ينحل الى انشاءات عديدة حسب تعدد حصص الطبيعي وبعد شمول الدليل لمن يحكى قول الامام عليه‌السلام بطريقة الوسائط ذا اثر شرعي فيشملها دليل صدق العادل فتكون الاخبار بين ما هو اثر وموضوع محض كالخبر الحاكى عن الامام وبين ما هو حكم محض كالخبر الذي تنتهى اليه السلسلة كخبر الشيخ وما فيه الجهتان ذا اثر وموضوع للاحق وحكم للسابق ففي مثل رتب الاثر يكون عبارة عن مفهوم وجوب بما هو حاك عن وجوبات عديدة وارادات طولية وموضوع هذا الوجوب هو الاثر محضا او اعتبار فترتب ذلك الحكم على هذا الموضوع بمقدار ما يكون متضمنا من ارادات طولية يكون متعلقة بمرادات طولية فيكون عنوان رتب الاثر عنوانا انتزاعيا من تلك الاخبار ولو كان بعضها يوجب تحقق الآخر كما لا يخفى فافهم واغتنم فانه لا يخلو عن دقة.

ثم انه استشكل على الاستدلال بآية النبأ وهو انه يلزم من الاستدلال به عدم وجوب الفحص عن المعارض وان الفحص عن المعارض نوع من التبين المنفى بالمفهوم والتالى باطل فالمقدم مثله ولكن لا يخفى ان التبين تارة يكون عن المخبر بلحاظ الصدق والكذب واخرى يكون بلحاظ وجود المعارض وعدمه والمنفي بمقتضى المفهوم هو الاول دون الثاني خصوصا بعد اعتبار التبين طريقيا حيث يكون مفاده ان خبر الفاسق ليس بطريق وخبر العادل طريق والفحص لا ينافي الطريقية واما اذا كان وجوب التبين شرطيا فلا يرد الاشكال ايضا اذا كان شرطا للعمل نفسه اذ لم يكن الفحص منافيا للتبين لاعتبار العادل نعم لو كان شرطا للوجوب لا للعمل توجه الاشكال اذ عليه يكون الفحص منافيا لاعتبار خبر العادل كما لا يخفى.

٢٢٤

ومما استدل به على حجية خبر الواحد آية النفر قال الله تعالى (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) وقربوا دلالة الآية على المدعى بوجوه ثلاثة : احدها ان لفظة لعل بعد انسلاخها عن الترجي الحقيقي اذ لا يعقل ذلك في حقه سبحانه وتعالى استعملت في الطلب واذا صار مطلوبا صار واجبا لعدم القول بالفصل. ثانيها ان الانذار لما كان واجبا لكونه غاية للنفر الواجب بمقتضى كلمة لو لا وجب التحذير وإلّا لغا وجوبه. ثالثها ان التحذير جعل غاية للانذار والانذار واجب وغاية الواجب واجبة ولكن لا يخفى ان مبنى هذه الوجوه على استعمال كلمة (لعل) في الطلب ولم يثبت بل هو ممتنع لامتناع تعلق الطلب بالحذر لكونه امرا غير اختياري نعم يتم المطلوب اذا اخذت كلمة (لعل) كناية عن العمل المتسبب عن الحذر ولكنه خروج من ظاهر لفظ (لعل) فالاولى في تقريب الاستدلال هو أن يقال ان (لعل) هنا استعملت بمعنى الاحتمال كما في قوله تعالى (لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً) وقول الشاعر (لا تهن الفقير علك ان تركع يوما والدهر قد رفعه) ولما كان الاحتمال بالنسبة اليه تعالى ممتنعا فلا بد من صرفه للعباد فيكون المراد من الآية ان النفر الملقى بالانذار محتمل الحذرية مظنة للضرر والمراد من الضرر ليس هو الدنيوي اذ ليس ذلك مترتبا على خصوص الانذار بل يحصل ولو من غيره. بجعل التلازم بين الانذار ومحتمل الحذرية دالا على ان المراد من ضرره هو الاخروية لا الدنيوية. ومن الواضح انه لا يكون احتمال العقوبة إلّا بان يكون الانذار. مقبولا اذ لا اصل يرفع احتمال العقوبة وليس العقاب عقابا بلا بيان لوجود البيان المذكور ولكن لا يخفى ان هذا التقريب لا يتم إلّا باطلاق الملازمة بين احتمال

٢٢٥

العقوبة وتحقق الانذار ولكنه ممنوع بل لو سلم كون الآية دالة على ان المراد من الضرر هو الأخروية ولكن يخدش في الاطلاق وتقريب الاطلاق هو ان يقال لو حمل الحذر على المضرة الدنيوية كان لا بد من التقييد اذ المضرة الدنيوية تارة تترتب على الانذار كما لو لم يكن المنذر بالفتح يلتفت اليها ولو لم يعلم الا بعد تحقق الانذار واخرى لا تترتب على الانذار كما لو كان حصول الحذر مترتبا قبل الانذار فلو حمل على المضرة الدنيوية فلا بد من تقييده بالصورة الاولى فيرتكب التقييد بخلاف ما لو حمل على المضرة الأخروية فانها بجميع اقسامها مترتبة على الانذار مخصصا للاطلاق فعليه لا بد من حمله على المضرة الاخروية ولكن لا يخفى ما فيه فان هذا الاطلاق ليس بحجة اذ يكون من باب ما يعلم بخروجه عن حيز حكم الاطلاق ويشك في خروجه عنه وبلا اشكال ان مثل هذا الاطلاق لا يكشف المراد

وبالجملة الذي ينبغى ان يشكل على الآية هو الذي ذكرناه ومع الاغماض عنه فهي في غاية الدلالة ولا يخدش فيها بنحو من الوجوه التي ذكروها للخدشة فهي محل نظر بل منع منها انا نمنع كون الآية مسوقة للاطلاق فلا اقل من الشك لعدم احراز اطلاق يقتضي وجوبه على الاطلاق ضرورة ان الآية مسوقة لبيان وجوب النفر لا لبيان غاية التحذير ولعل وجوبه كان مشروطا بما افاد العلم ولكن لا يخفى ان هذا الاشكال مناف لما بنينا عليه الاستدلال من ان المراد بالحذر العمل المتسبب من الحذر لا نفسه اذ لا معنى لطلبه اذا كان المراد به ذلك بجعله غاية للانذار الواجب الشرعي يستلزم كون العمل المتسبب من الحذر ايضا واجبا شرعيا لان غاية الواجب الشرعي ايضا شرعي ولا يكون الحذر بذلك المعنى واجبا شرعيا الا وان يكون خاليا من العلم اذ مع الاقتران بالعلم يكون وجوب

٢٢٦

الحذر عقليا وهو مناف لجعله غاية للواجب الشرعي ومنها انه لا اشكال في ان المراد من التفقه انما هو في الامور الواقعية كما انه لم يكن المراد من الانذار الانذار في الامور الواقعية وبمقتضى جعل الحذر غاية لهما لا بد ان يراد من الحذر هو العمل المتسبب من الحذر ولكنك قد عرفت انه خروج عن ظاهر اللفظ وعرفت انه يمكن ان يكون مبنى الاستدلال على جعل الحذر على معناه وجعل (لعل) بمعنى الاحتمال ولا ينافى كون التفقه عن الامر الواقعي والانذار أيضا عن الامر الواقعي لان من تفقه عن الامر الواقعي وانذر بالامر الواقعي كان في معرض الخوف عن الامر الواقعي وان لم يكن الواقع معلوما لدى المنذرين بالفتح مثلا من يحتمل وجود (اسد) في الطريق يحصل له خوف في سلوك ذلك الطريق كما يحصل ذلك مع العلم ومنها ان اخذ الحذر والخوف في مفهوم الانذار يشعر بالعلية بانه انما يجب الانذار اذا حصل خوف بالانذار فاذا لم يحصل الخوف لم يجب الانذار وهذا لا دخل له بما هو المهم في المقام من الاستدلال على حجية الاخبار مطلقا أي سواء حصل من الاخبار خوف ام لا ، بل هذه الآية تكون اليق بالاستدلال بها على وجوب التقليد على العوام اذ الذي يحصل الخوف من اخباره هو المرشد لا الراوي وقد اجاب الاستاذ (قده) في الكفاية بأن الرواة في الصدر الأول كانوا كنقلة الفتوى الى العوام في زماننا واذا كان كذلك فلا اشكال في حصول الخوف من اخبارهم ويتم المطلوب في غيرهم بعدم القول بالفصل ولكن لا يخفى ما في هذا الجواب من الضعف (١) والتحقيق في الجواب ان اخذ قيد التخويف في مفهوم

__________________

(١) لا يخفى ان الاستدلال (بآية النفر) يتوقف على اخراجها عن كونها واردة في خصوص الجهاد لامرين الأول امر تعالى فيها بقوله (لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ)

٢٢٧

الانذار لا يشعر بالعلية اذ لعل الاتيان به لاجل الغلبة او لنكتة اخرى فيقع الشك في المراد في الدلالة على حجية الفتوى ولكن الظاهر ، من كون التفقه

__________________

والدين يعم الجهاد. الثاني ان الأئمة عليهم‌السلام جعلوا موردها التفقه في الاصول والفحص عن وجود الامام كما ورد في روايات كثيرة ذكرها الشيخ الانصاري (قده) واما تقريب الاستدلال فيتوقف على أمور خمسة.

الاول ان عموم لينذروا عموم انحلالي وليس المراد منها عموما مجموعيا بمعنى ان الهيئة الاجتماعية بجمعهم لينذروا ويتفقهوا ولا ينافى ذلك كون قوم وطائفة اسم جمع فإن اسم الجمع من قبيل المادة المشتركة يصلح لهما مضافا الى ان محل الاستدلال انما هو لينذروا وليتفقهوا لا قوم وطائفة.

الثاني ان الظاهر من الانذار هو التخويف الذي يذكره الوعاظ من اوصاف الجنة والصراط والميزان ونحو ذلك ولكن تعقب الانذار بالتفقه يوجب صرفه عن ذلك الظهور فيراد منه ذكر شيء يوجب الانذار اعني التخويف فيدل على الانذار بالدلالة الالتزامية بخلاف ما لو اردنا منه المعنى الاول فانه يدل على التخويف بالمطابقة لا بالالتزام.

الثالث ان كلمة لعل تارة تستعمل في الابتداء كقوله تعالى : (فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ) واخرى تستعمل في العلة الغائية كمثل (لعله يتذكر أو يخشى) وثالثة تستعمل في غيرهما والمقام من قبيل الثاني وليس في استعمال (لعل) في المقام انسلاخ عن معناها بل نقول ان الالفاظ المشتركة بين الممكن والواجب ليس في استعمالها نحو ان بل على نحو واحد مثلا لعل مستعملة في الغاية ولا يفرق في استعمالها نسبتها الى الواجب والممكن غاية الامر انه بالنسبة الى الممكن تختلط تلك الغاية بالمبادئ التصورية وفي الواجب تعرى من تلك المبادئ بل

٢٢٨

مقدمة للانذار كون الذي له الدخالة هو حكايته عما في الواقع كما هو شأن الاخبار لا حكايته عما في الرأي كما هو شأن الفتوى اذ لو كان الذي له الدخالة هو حكايته عما في الرأي لكان المناسب في الآية جعل الانذار مقدمة للتفقه لان المراد

__________________

تكون من قبيل خذ الغايات واترك المبادئ واذا كان ما بعد (لعل) غاية لما قبلها فحينئذ يعطى حكم المغيى للغاية من وجوب او ندب وبلا اشكال ان الانذار واجب فيجب الحذر الرابع ان الحذر عبارة عن التخويف وليس المراد فيه هو التأثر القلبي والتخويف عبارة عن ترتب الاثر الخارجي بل الظاهر ان كلما تستعمل كلمة التحذير فليس المراد منه تأثر قلبي وانما المراد هو ترتب الاثر الخارجي كقولك احذر من (الاسد) الخامس ان المراد من التفقه هو تعلم المسائل الفقهية وهذا كما يحصل لاهل الفتوى كذلك حاصل للرواة ايضا من دون فرق بينهما غاية الامر بالنسبة الى اهل الفتوى يحتاج التعلم الى اعمال فكر ونظر بخلاف الرواة فان فعل الرواية لا يحتاج الى اعمال فكر ورأى ويشهد لذلك ان الامام عليه‌السلام قد استعمل التفقه في تعلم المسائل كقوله (ع) لبعض اصحابه افقه منك فلان بمعنى اكثر منك جامعية للمسائل اذا عرفت هذه المقدمات تعرف وجه التمسك بالآية الشريفة على حجية خبر الواحد وبيانه واضح بعد الالتفات الى المقدمات وبما ذكرنا من معرفة وجه التمسك بهذه الآية على حجية خبر الواحد يتضح دفع الاشكالات الواردة في المقام منها ان هذه الآية دالة على اعتبار وعظ الوعاظ فهي اجنبية عما نحن فيه ولكن لا يخفى ما فيه فان الانذار لما تعقب التفقه خرج عن وعظ الوعاظ ومنها انها في مقام الفتوى ولا تشمل الرواية ولكن لا يخفى انه بشمولها للفتوى بذلك المناط تشمل الرواية من غير فرق بينهما لما عرفت من تحقق الجامع بينهما.

ومنها ان الآية ليست واردة مورد البيان وانما هي واردة في مقام

٢٢٩

من الانذار الاخبار والاخبار يكون مقدمة للرأى لا العكس. فالعكس يدل على

__________________

الاهمال والاجمال فحينئذ يؤخذ بالقدر المتيقن وهو الخبر المفيد للعلم فلا يشمل الخبر غير المفيد للعلم على ان المستفاد من الخبر هو الذي لا يفيد العلم واما استفادة العلم فليست من الخبر وانما هي من القرائن الخارجية مضافا الى انه لو تم هذا الاشكال لامكن الاشكال به على سائر المطلقات لامكان ردها بانها واردة في مقام الاهمال والاجمال ومنها ان الانذار والحذر على الامور الواقعية وخبر الواحد لا يعلم بكونه موصلا الى الواقعيات فيكون التمسك بالآية على حجية خبر الواحد من قبيل التمسك بالعام في الشبهة الموضوعية ويكون الحال فيه كمثل التمسك بعموم اكرم العلماء على وجوب اكرام من شك في انه عالم ام ليس بعالم ولكن لا يخفى انه لو فتح هذا الباب لزم الاشكال في التمسك بعموم الكتاب والسنة كمثل أحل الله البيع وتجارة عن تراض على البيع الصحيح والفاسد ومثل أوفوا بالعقود على من شك في كون العقد لازما ام لا وحاصل دفع هذا الاشكال المشترك بين المقام وبين العمومات هو ان صحة البيع ولزوم العقد يستفاد من عقد الحمل فكيف يعقل ان يكون مأخوذا في الموضوع وفي المقام من هذا القبيل حيث انا استفدنا من آية النفر كون مؤدى الخبر منزل منزلة الواقع فلا يعقل ان يكون مأخوذا في الموضوع ومنها أن الآية في مقام بيان النفر والانذار لا ترتب الحذر عليه فليس لها اطلاق من حيث وجوب الحذر وعليه فالمتيقن من مورد وجوب الحذر فيما لو حصل الاطمئنان من الخارج أو من الخبر اذا احتف بالقرائن القطعية ولكن لا يخفى ما فيه فان كون الحذر عند الانذار اذا حصل الاطمئنان من الخارج يوجب القاء جهة الانذار مع ان تحققه في الآية يوجب ان تكون له خصوصية مع ان تخصيص الحذر بما اذا حصل الاطمئنان يوجب ان يكون مختصا بفرد نادر وذلك مستهجن فلا تغفل.

٢٣٠

اعتبار الخبر دون الفتوى فتكون دالة على اعتبار الخبر فافهم وتأمل. (ومنها آية الكتمان) ومما استدل به على حجية خبر الواحد آية الكتمان قال الله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) وبيان الاستدلال بها ان حرمة الكتمان تستلزم عقلا وجوب القبول اذ لو لا هذا الاستلزام للغا حرمة الكتمان (١) ولكن

__________________

(١) ويمكن تقريب الاستدلال بناء على ثبوت الملازمة بين حرمة الكتمان ووجوب العمل بالخبر وإلّا لغا حرمة الكتمان ولاجل ذلك افتى الاصحاب بقبول دعوى المرأة في كونها حاملا تمسكا بقوله تعالى (أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَّ) لما هو معلوم ان الملازمة العرفية تدل على حجية قولهن في ذلك ولكن لا يخفى ان المقام لا يقاس على حجية قول المرأة اذ مورد الآيتين مختلف حيث ان احراز ما في الارحام ينحصر باخبارهن ولولاه لكان امرا مخفيا بخلاف المقام فان تحريم الكتمان انما هو شأن علماء اليهود الذين اخفوا على الناس ما كان موجودا في التوراة من صفات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بعثته واحواله فليس الغرض من تحريم الكتمان الا وضوح الحق لعامة الناس باخبارهم لا التعبد بقولهم كما هو المطلوب لما يظهر من ان ورود الآية في حرمة ستر ما هو ظاهر في طبعه كما يظهر من ذيلها (من بعد ما بيناه للناس) فعليه لا ربط لها بوجوب العمل بالخبر الذي هو اظهار ما خفي في نفسه على ان موضوع حرمة الكتمان في الآية عام استغراقي فيحرم الكتمان على كل واحد منهم وقد يحصل من اخبار جميعهم القطع فيكون كالخبر المتواتر وعليه يحتمل ان يكون الملاك في حرمة الكتمان هو ذلك وحينئذ لا ملازمة بين حرمة الكتمان ووجوب القبول. لا يقال ان مقتضى اطلاق الآية انه مع تيقن المخبر

٢٣١

لا يخفى ان كان الغرض من حرمة الكتمان اظهار الحق ووضوحه منعنا الملازمة بين حرمة الكتمان ووجوب القبول وان كان الغرض منه وجوب القبول شرعا فتصح الملازمة وحينئذ فنقول ان الوجوب الشرعي في القبول انما يكون في خبر الواحد حيث لا يكون خبر الواحد محفوفا بقرائن علمية وإلا لو كان محفوفا بقرائن علمية لكان وجوب القبول عقليا وكما ذكرنا فساد دعوى انه مع الالتزام بالملازمة لا معنى لمنع الاطلاق كما ان الاشكال بان وجوب الاظهار انما يكون حيث يخبر عن الواقع وذلك لا يكون إلا حيث يكون معلوما بالجزم واليقين وبيان ظهور الفساد هو ان هذا الاشكال انما يتجه اذا كان المدعى هو الملازمة بين وجوب ظهور الحق وبين وجوب العمل واما على ما بيناه من الملازمة بين وجوب الظهور وبين وجوب القبول فلا موقع له لان القبول نوع حركة من المخبر الى الذي قاله المخبر وهذا يجتمع مع الشك في صدقه وكذبه على انه من المحتمل قويا ان وجوب الاظهار عليهم لرجاء وضوح الحق من جهة اخبارهم بحصول العلم لهم لاجل تعدد المظهرين كما يظهر انها في مقام اصول الدين التي لا يكتفى فيها بغير العلم. اللهم إلّا ان يقال ان للآية اطلاقا يقتضي وجوب الاظهار عليهم ولو مع عدم افادة العلم بالواقع وعليه يمكن التمسك بها على وجوب القبول لما عرفت من الملازمة إلّا ان الشأن في اثبات ذلك.

__________________

بان اخباره لا يفيد القطع للسامعين ولا ينضم خبره الى خبر آخر فيدل على وجوب القبول بالملازمة لانا نقول ان ما ذكرناه هو حكمة لا علة فلا يلزم سرايته في جميع الموارد فيكون كتشريع العدة لعدم اختلاط المياه فلا تغفل.

٢٣٢

آية السؤال : ومما استدل به على حجية خبر الواحد قوله تعالى (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) وتقريب الاستدلال بهذه الآية بما هو في آية الكتمان من ان ايجاب السؤال ليس إلّا لوجوب القبول عقلا ولكن لا يخفى ان السؤال ليس إلا لتحصيل العلم لا للتعبد بالجواب حتى يفيد المطلوب ودعوى ان مقتضى اطلاق الآية شمولها لخبر الواحد غير المقيد للعلم دليل على كون الجواب للتعبد ممنوعة اذ سياق السؤال يقتضي عدم اطلاقها على خبر غير المقيد للعلم على ان المراد من أهل الذكر علماء أهل الكتاب الذين لهم خبرة بنبوة نبينا (ص) ويمكن تقريب الاستدلال بهذه الآية بغير ما ذكرناه وهو دليل الملازمة بين وجوب السؤال ووجوب القبول شرعا ولا بد من كون الجواب للتعبد اذ مع وجود العلم لا ملازمة شرعية بل وجوب القبول عقلي ولكن لا يخفى منع دلالة الآية على الملازمة بل ليس المقصود منها العمل بما يقوله المسئول من غير نظر الى جهة التعبد فيكون القدر المتيقن صورة استفادة العلم مضافا الى ما ذكرناه من عدم ظهور الآية في كون الجواب للتعبد وعلى تقدير تسليم ظهورها فهل هي منطبقة على الرواية أو منطبقة على الفتوى وجهان الظاهر انها منطبقة على الرواية (١) لان الظاهر من

__________________

(١) خلافا للشيخ الانصاري (قده) حيث قال ان الظاهر من اهل الذكر هم العلماء وحجية قولهم لا يستلزم منه حجية خبر الراوي وأجاب المحقق الخراساني بان أغلب الرواة في الصدر الاول كانوا فقهاء واذا ثبت قولهم ثبت في غيرهم بعدم القول بالفصل ولكن لا يخفى ان الظاهر من الآية ان للذكر به مدخل في القبول فعليه لا تشمل الرواية على ان تعليق الامر بالسؤال على عدم العلم ان الغاية منه هو تحصيل العلم بالسؤال ولا اقل من تحصيل الوثوق والاطمئنان وليس الغرض هو التعبد بالجواب كما هو مبنى الاستدلال على انه وردت عدة روايات بان المراد

٢٣٣

جواب السؤال انما هو نظره الى الواقع فيكون اعتباره من جهة حكايته عن الواقع لا من جهة حكايته عن الاستفادة والاستنباط حتى ينطبق على الفتوى لا يقال ان اضافة الاهل الى الذكر يشعر بان الذكرية لها مدخل في جواب السؤال وحينئذ لا ينطبق إلا على اهل الفتوى لانا نقول لا نمنع استفادة خصوص الذكرية ولكن في الفتوى الحكاية عن الواقع مقدمة للذكر أي الفهم ولا نستفيد من الآية ذلك بل نستفيد كون الفهم والذكر مقدمة للاخبار والحكاية عن الواقع فعليه تكون الآية مختصة بالاستدلال بها على الرواية ولا يكون لها نظر في الفتوى فافهم وتأمل. (آية الاذن) ومما استدل به على حجية خبر الواحد قوله تعالى (وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ) وتقريب الاستدلال هو انه سبحانه وتعالى مدح نبيه (ص) بانه هو اذن وانه يصدق للمؤمنين واذا كان التصديق حسنا يكون واجبا وبه يتم المطلوب (١) ولكن

__________________

من أهل الذكر هم الأئمة سلام الله عليهم وربما يقال بان نزولها في علماء اليهود ينافي تفسيرها بذلك ولكن لا يخفى ان اهل الذكر عنوان عام يختلف بحسب الموارد مما كان في مقام اثبات النبوة وما وصف به نبيه في الكتب السماوية منهم علماء اليهود والنصارى ولم يمكن ان يراد باهل الذكر الأئمة لان اثبات كونهم من اهل الذكر نوع ثبوت النبوة وان كان في مقام يعد اثبات النبوة فاهل الذكر هم الأئمة (ع) وان كان في زمان الغيبة منهم العلماء والفقهاء وبالجملة اهل الذكر معنى واحد ولكن يختلف حسب الموارد والازمنة وكيف كان فلا يستدل بهذه الآية وما قبلها على حجية خبر الواحد فلا تغفل.

(١) لا يخفى ان مبنى الاستدلال بهذه الآية على حجية خبر الواحد بان يراد من التصديق التعبد بثبوت المخير به مع انه محل المنع اذ لا معنى التعبد

٢٣٤

لا يخفى فصور هذه الآية عن الاستدلال بها لما نحن فيه من حيث انها متعرضة لمكارم اخلاقه وحسن معاملته ومعاشرته مع المؤمنين من حيث عدم مجابهتهم بالتكذيب فتكون أجنبية عما نحن فيه ولا ربط لها بالمقام ولو لا هذه الجهة من التقريب المذكور لاشكل التمسك بهذه الآية حيث انها تعم الفاسق بقرينة قوله لكم الراجعة الى الذين يؤذون النبي ولا يمكن تخصيصها بمفهوم آية النبأ وبما ذكرنا يظهر لك الفرق بين هذه الآية وسائر الآيات عن آية النبأ ان لسان سائر الآيات غير آية النبأ لو تم التقريب فيها فلسانها غير آب عن تخصيصها بآية النبإ بخلاف هذه الآية فانها نص في العموم فهي غير قابلة للتخصيص فيشكل الجمع ولكنك قد عرفت انها واردة لبيان اخلاق النبي (ص) وحسن معاشرته فتكون اجنبية عن الاستدلال بها على حجية خبر الواحد هذا تمام الكلام في الاستدلال بالآيات

__________________

بخبر الفاسق الذي هو مورد الآية وانما المراد من التصديق هو اظهار القبول وعدم المبادرة الى تكذيب المخبر فيكون تصديقه له صوريا لا حقيقيا كما ورد عنه (ع) (كذب سمعك وبصرك عن اخيك فان شهد عندك خمسون قسامة انه قال قولا وقال لم اقله فصدقهم وكذبهم) (ويشهد لما ذكرنا من ان المراد من التصديق هو اظهار القبول مورد نزول الآية فانها نزلت في عبد الله بن نوفل حيث كان يسمع كلام النبي (ص) وينقله الى المنافقين فاوقف الله نبيه على تلك النميمة فاحضره النبي (ص) فسأله عن ذلك فحلف له انه لم يكن شيء مما نم عليه فقبل (ص) منه فاخذ هذا الرجل يطعن عليه ويقول يقبل كل ما يسمع فاخبره الله اني انم عليه فقبل واخبرته اني لم افعل فقبل فرده الله بقوله لنبيه (ص) (قل اذن خير لكم) ومن المعلوم ان تصديقه (ص) للمنافق لم يكن إلا اظهارا للقبول وعدم مبادرته لتكذيبه وبذلك قال الشيخ الانصاري (قده) مستشهدا عليه باختلاف

٢٣٥

الاستدلال على حجية خبر الواحد بالسنة (١) ومما استدل به على حجية خبر الواحد بالاخبار وهي متواترة وإلا فلا تصلح للاستدلال بها على حجية خبر الواحد لانه

__________________

السباق ففي الجملة الأولى عدا كلمة يؤمن بالباء وفي الثانية عدا باللام وذلك دليل على اختلاف ما يراد من كلمة (يؤمن) ولكن لا يخفى ان الاختلاف انما نشأ من كون التصديق ان كان متعلقا بوجود الشيء فيتعدى بالباء كما في قوله آمن الرسول بما انزل اليه من ربه وان كان متعلقا بالقول فيتعدى باللام كما في قوله تعالى (وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا) ويظهر من ذلك ان التعدية تعدية (يؤمن) باللام يقيد تصديق قولهم ودعوى انه يناسب تعدية الجملة الاولى باللام حيث ان الغرض تصديق قول الله ممنوعة فان لفظة الجلالة عبارة عن الذات الجامعة لجميع صفات الكمال فالتصديق بوجوده يلازم التصديق بقوله فتكون ملازمة بين التصديق بوجوده والتصديق بقوله ولهذه النكتة عبر بالباء ولو كان التعبير باللام لما فهمت هذه الملازمة وكيف كان ، فالآية الشريفة لا دلالة لها على حجية خبر الواحد فافهم وتأمل.

(١) والشيخ الانصاري (قده) جعلها أربعة طوائف الاولى الاخبار العلاجية فان الذي يظهر منها ان وجوب العمل في نفسه كان مفروغا عنه عند الائمة عليهم‌السلام واصحابهم وانهم اتفقوا على العمل به ولم يكن مانع عن العمل به الا التعارض بين الاخبار لذا ارجعهم الى المرجحات او التخيير ودعوى ان عمل الاصحاب انما هو بمقطوعي الصدور ولا يعملون بمشكوك الصدور ممنوعة اذ الاخبار العلاجية على كثرتها لم تكن في الخبرين المقطوع صدورهما لبعد وقوع المعارضة بين مقطوعي الصدور على ان ظاهر سؤال الراوي باني عنكم الخبران المتعارضان عن مشكوكى الصدور ، الثانية الاخبار الامر بالرجوع الى مثل زرارة كقوله (ع) عليك بهذا الجالس واشار الى زرارة وقوله (ع) ما يمنعك من الثقفي

٢٣٦

يلزم اثبات الشيء بنفسه بل الذي يدل عليه هي وجود الاخبار المستفيضة المتواترة ولو اجمالا بان نعلم اجمالا بصدور طائفة منها عن الامام عليه‌السلام ولا يؤخذ إلا بما هو المتيقن من بين تلك الاخبار وهو خبر الثقة لكونه متيقنا من بين تلك الطوائف وان حصل الشك في كون خبر الثقة هو المتيقن فليؤخذ بخبر العدل المزكى بشاهدين فانه المتيقن من بين تلك الاخبار ولا يكون حينئذ كل خبر ثقة حجة إلا ان يقوم خبر عدل مزكى بعدلين على حجية مطلق الثقة فيكون كل خبر الثقة حجة هذا بناء على توترها اجمالا واما بناء على انها متواترة معنى فيمكن دعوى تواتر الاخبار على حجية خبر الموثوق صدروا او مضمونا والانصاف ان التشكيك في اعتبار قول مطلق الثقة المتواترة بالتواتر المعنوي او المتيقن لو قلنا بالتواتر الاجمالي لا يعبأ به بل ممنوع اشد المنع لمن راجع الاخبار حيث تجد ان خبر الثقة هو المتيقن بين تلك الطوائف وحصر المتيقن في خصوص خبر العادل المزكى بعدلين في غاية البعد ومن التزمه تعسف غاية التعسف كما لا يخفى على من تأمل في المقام.

__________________

وهو محمد بن مسلم وقوله (ع) عليك بزكريا بن آدم المامون على الدين والدنيا الى غير ذلك من الاخبار الامر بالرجوع اليهم وظاهر الارجاع اليهم نحو فهم الرواية لا خصوص الرجوع اليهم في الفتوى ، الثالثة الاخبار الدالة على الاخذ من الثقات كقوله (ع) لا عذر لأحد في التشكيك فيما يرويه ثقاتنا ، الرابعة الاخبار الواردة بالسنة مختلفة يستفاد منها اعتبار الخبر وادعى ان تواترها تواتر اجمالي لا لفظي ولا معنوي وهو ان نعلم بصدور بعضها وان امكن منعه وبدعوى ان التواتر الاجمالي يؤخذ به ان رجع الى وجود قدر مشترك لازم من اخبار المخبرين والاعتبار به حيث ان كل واحد من الاخبار الموجودة بايدينا نراه محتملا للصدف والكذب فاين الخبر المقطوع بصدوره ولأجل ذلك انكر المحقق النائيني

٢٣٧

الاستدلال على حجية خبر الواحد بالاجماع! ومما استدل به على حجيه خبر الوحد بالاجماع المنقول من الشيخ وغيره وهو مبني على اعتبار الاجماع المنقول وقد عرفت عدم اعتباره على انه مبتلى بالمعارض وهو الاجماع المنقول من السيد المرتضى قده (١) وقد يتمسك للاجماع بالسيرة المتشرعة فانهم يعملون

__________________

التواتر الاجمالي وادعى التواتر المعنوي بان المستفاد من مجموع الاخبار اعتبار الخبر الثقة ولا تعتبر العدالة حيث ان مناط قبول الخبر هو احراز كون المخبر متحرزا عن الكذب واما اعتبار ما عدا ذلك مما هو معتبر في العدالة فهي اجنبية بل لو قلنا بالتواتر الاجمالي فيؤخذ بالاخص من الاخبار والظاهر ان الاخص وهو الخبر الموثوق فعليه المستفاد من الاخبار اعتبار الخبر الموثوق بناء على التواتر الاجمالي وبذلك قال المحقق الخراساني حيث بنى على التواتر الاجمالي قال ما ملخصه المتيقن من هذه الاخبار انما هو حجية الخبر الصحيح وفي جملتها خبر صحيح يدل على حجية الموثق بواسطة واحدة ولكن لا يخفى انه لا يشمل الخبر الضعيف المنجبر بعمل الاصحاب فانه مقتضى اعتبار وثاقة الراوي لا المخبر إلا انه يمكن القول باعتبار اندراجه تحت آية النبأ حسب ما عرفت من شمولها لكل خبر ما عدا خبر الفاسق نعم يشكل اندراجه تحت هذه الاخبار اللهم إلا ان يقال ان المستفاد من هذه الاخبار هو الرجوع الى الثقة ليس لموضوعية في خبره بل لان خبره يكشف الواقع وفيه جهة احراز من خبره ما لا يحصل من غيره فاذا صار هذا هو الملاك في اعتبار خبر العدل فاذا وجد في غيره ينبغي اعتباره كمثل خبر المنجبر بالشهرة ولكن استفادة ذلك بنحو يكون كبرى كلية لكي يشمل مثل تلك الاخبار محل نظر فافهم وتأمل.

(١) الاجماع تارة يقرر بالقولى وهو المنقول من غير السيد وابن ادريس

٢٣٨

بخبر الواحد من الصدر الأول الى زماننا ولا يحتاج في حجية السيرة الى امضاء من المعصوم أو تقرير بل مجرد انعقاد السيرة يكشف من رضا المعصوم بخلاف بناء العقلاء فانه يحتاج في التمسك في اثبات الدعوى الى امضاء وتقرير من المعصوم فانهم قد يبنون ويجرون طريقتهم على شيء من غير اتباع الشارع فالتمسك ببناء العقلاء في

__________________

لعدم الاعتناء بخلاقهم واخرى يقرر بالاجماع العملي وهو ان الاصحاب عملوا بالاخبار التي بايدينا ولم يخالف منهم احد ولا يخفى ان ذلك لا يكون حجة على العمل بخبر الواحد تعبدا حيث ان ذلك الاجماع لا يكشف عن رضاء المعصوم الذي هو الملاك في حجيته نعم يمكن التمسك بالسيرة المستمرة على العمل بخبر الآحاد وهى سيرة عقلائية قد استقرت على العمل باخبار الآحاد ولم يثبت ردع من الشارع اذ لو كان هناك ردع لظهر واشتهر من حفاظ الحديث كما حصل بالنسبة الى القياس فان الاخبار المانعة عن العمل بالقياس كثيرة حتى عدها بعضهم الى خمسمائة رواية على المنع عن العمل بالقياس وبالجملة سيرة العقلاء وعدم الردع من الشارع موجبه للعمل بخبر الآحاد وذلك غير قابل للانكار إلا انه وقع الاشكال في صلاحية آيات الناهية عن اتباع غير العلم للردع فقد ذكر المحقق الخراساني وجوها لذلك ذكرنا بعضها مما سبق والجميع غير صالحة لجعل الآيات ناهية بعد كون السيرة مع الآيات نسبه الحاكم والمحكوم وان السيرة هي حاكمة على الآيات حيث ان موارد السيرة بالحج العقلائية لم يكن في نظرهم عملا بغير علم كعملهم بالظواهر فان السيرة المستقرة على العمل بها ليس إلا انهم يرونها علما ولا يخفى ان سيرتهم على العمل بالخبر الموثق لا يفرق بين ما يكون الوثوق ناشئا من وثاقة الراوي او من جهة اخرى لعمل المشهور فالخبر في مورد السيرة اخبار الصحاح والحسان والموثقات باجمعها كما لا يخفى.

٢٣٩

مثل المورد يتوقف على تقرير من المعصوم واني لهم باثبات التقرير أو عدم الردع لا يقال بانه لو كان ردع لاشتهر فعدم الشهرة يكشف عدم الردع وهو يكفي في اثبات المطلوب لانا نقول يمكن ان تكون الجهة في عدم الردع غير الامضاء وذلك انه يجري طريقتهم على انهم لم يعملوا بالامور الدينية اذ لم تكن الامور الدينية محلا لابتلائهم والردع انما يكون من الشارع اذا كان موردا للابتلاء وهو الامر الديني إلّا ان يقال ان ذلك انما يكون في اوائل الشريعة لا مثل هذه الاعصار التي استقر عمل العقلاء عليه في الامور الدينية فان عملهم في مثل هذه الاعصار يكشف عن رضا المعصوم (ع) وبما ذكرنا يظهر ان الآيات الناهية عن العمل بغير العلم غير قابلة للرادعية لانها لو كانت قابلة لمنعت من حجية السيرة فمع انعقادها يكشف عدم قابليتها للرادعية لجهة او قرنية اختفت علينا وهم قد اطلعوا عليها وليس البحث فيه الا بحثا علميا بعد ما عرفت من استقرار سيرتهم على العمل بالظواهر وربما يقال في وجه عدم رادعية هذه الآيات ما ذكرناه سابقا من كون هذه الآيات غير ناظرة الى تنقيح الموضوع بل تعطي حكما كليا تطبيقه بيد العرف والعقلاء وقد عرفت ان مبنى العقلاء على العمل به وانه بمنزلة العلم لانطباق الآيات على هذا المورد كما لا يخفى.

٢٤٠